مساحة بواسطة: محمد عبدالفتاح
    

قناع الخوف


الخوف هو الظل الذي يرقص خلف وهج نار المخيم. هو الرفيق الصامت الذي يسير بجانبنا في الليالي المظلمة، والريح الهامسة التي تحرك أوراق وعينا. فهم الخوف يعني الشروع في رحلة عبر تضاريس مألوفة وغريبة في آن واحد، حيث كل شجرة وحجر منقوش عليهما آثار ضعفنا.

الخوف كمرآة

تخيل الخوف كمرآة مصقولة ببريق شبحي. عندما نحدق فيها، لا نرى العالم كما هو، بل كما قد يصبح. تشوه المرآة وتطيل، وأحيانًا تحطم إحساسنا بالذات. في انعكاسها، تتضخم نقاط ضعفنا، وتصبح يقينياتنا مليئة بالشقوق. ومع ذلك، هذه المرآة ليست مجرد خادعة؛ إنها أيضًا معلمة. فمن خلال مواجهة صورتنا داخل زجاجها، تُتاح لنا الفرصة لنتعرف على معالم قيودنا، وربما لنتجاوزها.

الخوف كسجن

الخوف سجن صُنع من قضبان الشك وعدم اليقين. غالبًا ما يُترك بابه موارباً، ومع ذلك نتردد في تجاوز عتبته. العالم خارج السجن واسع ووحشي، مليء بالأخطار المجهولة والإمكانيات غير المكتشفة. لكن السجن، رغم قيوده، يقدم راحة ملتوية: راحة المألوف، والمتوقع. التحرر من الخوف يعني المجازفة بفوضى الحرية، واحتضان العاصفة بدلاً من الاحتماء منها.

الخوف كبوصلة

والمفارقة أن الخوف يمكن أن يعمل أيضًا كبوصلة. إنه لا يشير إلى الموانئ الآمنة في حياتنا، بل إلى حواف خرائطنا - الأماكن التي تسكنها التنانين وتولد فيها الأساطير. عندما نتبع إبرة الخوف، نُقاد لمواجهة الأشياء التي تحددنا. الفنان الذي يخشى اللوحة البيضاء، العاشق الذي يخشى الرفض، المفكر الذي يخشى المجهول - جميعهم يسترشدون بالخوف نحو حدود ذواتهم الآخذة في التكوين. وبهذه الطريقة، ليس الخوف حاجزًا فحسب، بل هو جسر يربط من نحن بمن قد نصبح.

الخوف كنار

الخوف نار يمكن أن تدفئ وتحرق في آن واحد. في ألطف أشكالها، هي الموقد الذي يبقينا يقظين، ويذكرنا بقفل أبوابنا والعناية بجروحنا. ولكن عندما يُترك بلا رادع، يصبح حريقًا هائلاً، يحول صرح أحلامنا إلى رماد. التحدي إذن هو تعلم فن رعاية هذه النار - أن نقترب بما يكفي لنشعر بحرارتها، ولكن ليس لدرجة أن نحترق.

الخوف كمعلم

في النهاية، الخوف هو أشد المعلمين صرامة. إنه يطرح علينا أصعب الأسئلة ويقدم أثمن الدروس. يعلمنا التواضع، ويذكرنا بأننا كائنات هشة في عالم لا يمكننا التحكم فيه. يعلمنا الشجاعة، فكل عمل بطولي يولد في بوتقة الخوف. ويعلمنا التعاطف، فمعرفة مخاوفنا الخاصة تعني التعرف عليها في الآخرين.

الخلاصة

الخوف، بجميع أشكاله، هو خصم وحليف في آن واحد. إنه الظل الذي يشكل الضوء، الصمت الذي يعطي معنى لأغنيتنا. أن تحيا يعني أن تسير مع الخوف - لا في أسره، بل في رفقته، تتعلم من أوجهه المتعددة. فبفهم الخوف، نفهم أنفسنا: حدودنا، إمكانياتنا، والمشهد اللامتناهي للقلب البشري.

أحدث أقدم