مساحة بواسطة: محمد عبدالفتاح
    

الصدى الأجوف للاستياء



هناك لحظات تشعر فيها أن الحياة ليست رحلة، بل حصار لا يلين – وابل متواصل من خيبات الأمل، والخيانة، والمعاناة الصامتة التي تنخر الروح. في هذه اللحظات بالذات، يزهر الاستياء، كدالية مظلمة مريرة تلتف بإحكام حول القلب، تخنق الأمل وتكتم الأحلام.

الإحباط ليس مجرد انزعاج عابر؛ إنه السم البطيء للتوقعات التي لم تتحقق، وطحن تروس الجهد الذي قوبل بالعبث. كل خطوة للأمام تبدو وكأنها جر صخرة إلى أعلى تل، فقط لتراها تتدحرج إلى الأسفل ساخرة من إرادة المحاولة ذاتها. العالم، غير مبال وبارد، لا يمد يدًا ليسند المتعثر. بل يضغط بقوة أكبر، ويطالب بالمزيد، كما لو أن الإرهاق واليأس مجرد ضعف يجب التغلب عليه بقوة الإرادة وحدها.

ما هي الحياة إن لم تكن سلسلة من الوعود التي تُنْكَث قبل حتى أن تُقطع؟ الأحلام التي همست بها في الصغر، والآمال التي رُعِيَت في لحظات هادئة، كلها تذوب رمادًا تحت وهج الواقع القاسي. يتحول الأصدقاء إلى غرباء؛ ويصبح الحب ساحة معركة تسقط فيها القلوب ضحايا. يبدو الكون وكأنه يتآمر في صمت، غير مكترث بصرخات أولئك المحاصرين في آلته اللامبالية. هذه الخيانة هي الأقسى – أن تعلم أنه مهما قاتلت بشراسة، فإن النتيجة تظل كما هي: عزلة، وألم، وشعور خانق بالعبث.

تحت سطح هذا اليأس يكمن عاصف هائج – غضب من الظلم، ومن الطحن المتواصل، ومن الانتصارات الجوفاء التي تبدو كهزائم. هذا الغضب ليس صاخبًا أو عنيفًا؛ إنه نار هادئة تلتهم بصمت، وتأكل أطراف العقل. إنها الصرخة المحبوسة في الحلق، والقبضة المشدودة التي ترتجف بثقل الكلمات التي لم تقال. إنه الاعتراف المر بأن قسوة الحياة ليست خطأ بل قاعدة، ونحن رعاياها غير الراغبين.

الاستياء ظل يتبع كل خطوة، ورفيق دائم في ممرات العقل الموحشة. إنه يشوه الذكريات إلى مظالم، ويلون المستقبل بالرعب، ويسمم الحاضر بالمرارة. إنه سجن مبني من طوب خيبة الأمل، والمفتاح غير موجود. أن تشعر بهذا العمق هو أن تُحاصر في حلقة أبدية من الألم، حيث كل محاولة للهروب لا تؤدي إلا إلى إحكام القيود.

أن تستاء من الحياة هو أن تعترف بحقائقها القاسية دون راحة الأوهام. إنها صراحة مؤلمة وفجة يخشى الكثيرون مواجهتها. ومع ذلك، ففي هذا الإحباط الشديد تكمن قوة متناقضة – الرفض العنيد للاستسلام الكامل، ووميض الوعي بأنه حتى في الاستياء، ما زلنا على قيد الحياة بعمق. هذا الوضوح المرير، على الرغم من ثقله، هو شهادة على عمق المشاعر الإنسانية، والتعقيد الشرس لوجودنا.

أحدث أقدم