مساحة بواسطة: محمد عبدالفتاح
    

ازدواجية المعايير

 الوجهان المتناقضان لعملة واحدة: ازدواجية المعايير


كم هي مثيرة للسخرية تلك الأوجه المتعددة التي نرتديها، تلك الأقنعة التي نختارها بحسب الموقف والظرف. نتباهى بالقيم العليا، وننادي بالعدل والمساواة، وفي الوقت ذاته نرتكب أفعالًا تتناقض تمامًا مع تلك المبادئ. هذا هو جوهر ازدواجية المعايير، ذلك التناقض الصارخ بين ما نؤمن به وما نفعله، بين القول والفعل، بين النظرية والتطبيق.

إن ازدواجية المعايير ليست ظاهرة حديثة، بل هي قديمة قدم الإنسان نفسه. فقد مارسها الفلاسفة والملوك والأديان والشعوب على مر العصور.فالفيلسوف الذي يدعو إلى التسامح قد يمارس التمييز ضد فئة معينة، والملك الذي يدعي حبه لشعبه قد يستبد بهم، والدين الذي يحث على الرحمة قد يبرر الحروب باسمه.

تتعدد الأسباب التي تدفعنا إلى هذا السلوك المعقد. فمنها ما هو نفسي، كالحاجة إلى تبرير أفعالنا، أو الحفاظ على صورة إيجابية عن أنفسنا. ومنها ما هو اجتماعي، كالخضوع للضغوط الاجتماعية، أو الرغبة في الانتماء إلى مجموعة معينة. ومنها ما هو سياسي، كخدمة مصالح فئة معينة، أو الحفاظ على النظام القائم.

إن ازدواجية المعايير لها عواقب وخيمة على الفرد والمجتمع على حد سواء. فهي تؤدي إلى فقدان الثقة في الآخرين، وتقويض العلاقات الاجتماعية، وتشجع على الكذب والخداع، وتعرقل التقدم والتنمية. كما أنها تهدد القيم والمبادئ التي نؤمن بها، وتجعلنا نفقد هويتنا.

لمواجهة هذه الظاهرة المعقدة، يجب علينا أن نبدأ بأنفسنا. علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا، وأن نتحمل مسؤولية أفعالنا، وأن نسعى إلى التطوير المستمر. كما يجب علينا أن ننشر الوعي بأضرار ازدواجية المعايير، وأن نشجع على الحوار والنقاش حول هذه القضية. وعلى مستوى المجتمع، يجب أن نعمل على بناء مجتمع قائم على القيم والمبادئ، وأن نكافح جميع أشكال التمييز والظلم.

إن ازدواجية المعايير هي تحدٍ كبير يواجهنا جميعًا. ولكننا قادرون على التغلب عليه إذا ما اجتمعنا على ذلك، وعملنا بجد وإصرار. فالحياة لا تقبل النفاق والكذب، بل تتطلب منا أن نكون صادقين وشجاعين، وأن نتحمل مسؤولية أفعالنا.
أحدث أقدم