عندما ينقلب التقويم إلى أغسطس، يتحرك وجع مألوف بداخلي. يبدو الأمر كما لو أن النسيم الدافئ يحمل همسات الذكريات الماضية، وأصداء الفرح والحزن التي ترفض التلاشي. رائحة أغسطس هي رائحة قوية، تنقلني إلى وقت كانت فيه الحياة نسيجاً من الألوان القاتمة كقتامة الأسود.
من كل عام، تعود الذكريات، ذكريات غير مرحب بها ولكنها لا مفر منها. شهر أغسطس هو موسم من الذكريات، وحنين حلو ومر يتشبث بقلبي مثل رائحة المانجو الناضجة الحلوة. إنه الوقت الذي يتلاقى فيه الماضي والحاضر، والخطوط الفاصلة بين الواقع والخيال.
أغاني محمد سعيد هي المحفزات التي تفتح بوابات الذاكرة. كلماته تيثير جمر العواطف المدفونة منذ فترة طويلة. الامتناعات المؤرقة لـ "وحدي لكن" و "مش بحكي" تعيد إحياء أشباح الماضي، والدموع، واللحظات التي شكلتني إلى الشخص الذي أنا عليه اليوم.
كان أغسطس هو الشهر الذي غادرت فيه، عندما اختفى إيقاع صوتك من الكون. لا يزال ألم غيابك قائماً، مساحة مجوفة ترفض الشفاء. حتى الآن، تعيد رائحة أغسطس ذكرى رحيلك، والشعور بالضياع والوحدة، في بحر من عدم اليقين.
في سكون الليل، عندما يصمت العالم وتلمع النجوم مثل الماس في السماء، أغمض عيني وأترك رائحة أغسطس تغلفني. لقد عدت إلى وقت كان فيه الحب جديداً، عندما كان الأمل لهباً يحترق ساطعاً، وعندما بدى المستقبل بلا حدود.
ولكن حتى عندما تغمر الذكريات حواسي، فأنا أدرك الألم الذي لا يزال. ألم غيابك، والشوق لما كان يمكن أن يكون، والندم على ما فُقِد. رائحة أغسطس هي تذكير حلو ومر بأن الحب هو سيف ذو حدين، قادر على جلب كل من الفرح والحزن على قدم المساواة، كلوحة فان جوخ التي تحدثت عنها سابقاً في مقال "الجمال والحزن بنفس القدر".
بعد، لن أقايض هذه الذكريات مقابل أي شيء. لأنه في خضم آلام القلب، وجدت قوة لم أكن أعرف أبداً أنني أمتلكها. تعلمت أن أعتز بجمال اللحظة، وأن أعتز بالحب الذي تم إعطاؤه، وأن أجد العزاء في الذكريات المتبقية.
في النهاية، قد تتلاشى رائحة أغسطس مع مرور الوقت، ولكن سيبقى الجوهر، تذكيراً بالحب الذي شكلني، والألم الذي عززني، والذكريات التي ستظل محفورة إلى الأبد في قلبي.
