مساحة بواسطة: محمد عبدالفتاح
    

البعض بشر والبعض الآخر قردة


في نسيج المجتمع الإنساني، يُقال غالبًا إن البشر معقدون ومتعددو الأوجه، ولكل فرد صفاته وسلوكياته الفريدة التي تميزه عن غيره. ولكن عند التأمل بعمق، يتضح أن هناك شريحة كبيرة من الناس يمكن تشبيهها بالقرود في تصرفاتها ورغباتها وسلوكياتها. هذه الفئة التي تضع التفاهة والمظاهر السطحية في مقدمة أولوياتها، تمكنت بشكل ما من اجتذاب اهتمام وإعجاب غير متناسب في مجتمعنا الحالي. والأسوأ من ذلك، أن هذه الفئة تمارس نفوذًا كبيرًا على الآخرين، بل وتؤثر بشكل مباشر في مصائرهم وتحدد مسارات حياتهم.


قد يبدو هذا الأمر في البداية محيرًا وغير منطقي. من المفترض أن الأشخاص الذين يتمتعون بالحكمة والتعاطف والفضول الفكري هم من يستحقون التقدير والإشادة. لكن الواقع يعكس هيمنة التفاهة، حيث يجذب التافهون اهتمام العامة بتصرفاتهم وسلوكياتهم المثيرة. وهنا يطرح السؤال: ما الذي يمنح هذه الفئة القدرة على التأثير العميق في عالمنا؟


ربما يكمن الجواب في إتقان هذه الفئة لفن الترويج الذاتي والتلاعب. فهم يتمتعون بقدرة مذهلة على الظهور بمظهر إيجابي، مستخدمين السحر الشخصي والبلاغة في خداع الآخرين. يخلقون واجهة زائفة من الثقة والكفاءة، بينما تكشف أفعالهم عن نقص عميق في المضمون والعمق. هذه القدرة على التلاعب بالإدراك وإيهام الآخرين هي التي سمحت لهم بتولي مواقع السلطة والتأثير.


من جهة أخرى، ساهمت ثقافة العبادة المفرطة للمشاهير وبرامج الواقع في صعود هذه الفئة. في هذا السياق، يُقيَّم الأفراد بناءً على مظهرهم وقدرتهم على الترفيه وإثارة الصدمة. ومن يستطيع التكيف مع هذه الثقافة عبر جذب الانتباه وخلق الجدل، يُكافأ بالشهرة والمال. هذا الهيكل المشوه للحوافز يشجع على التفاهة على حساب القيمة الحقيقية.


علاوة على ذلك، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا محوريًا في تضخيم أصوات هذه الفئة. فهذه المنصات توفر مساحة واسعة لنشر الأفكار والمشاعر، مما يسمح للتافهين بالوصول إلى جمهور أكبر. والأسوأ أن هذه المنصات غالبًا ما تكافئ الجدل والإثارة بدلًا من العمق والجدية، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلة.


الآثار المترتبة على هذه الظاهرة عميقة وخطيرة. عندما يتولى التافهون مواقع القيادة والتأثير، فإنهم عادةً ما يستخدمون هذه السلطة لتحقيق مصالحهم الشخصية بدلاً من خدمة المصلحة العامة. يؤدي ذلك إلى تآكل الثقة في المؤسسات وإلى انحدار مستوى النقاش العام.


بالإضافة إلى ذلك، فإن هيمنة التفاهة تُثبّط الإبداع والابتكار. فعندما يتم مكافأة السطحية، يصبح الأفراد أقل ميلاً للمخاطرة أو تحدي الأفكار التقليدية، مما يؤدي إلى جمود فكري.


لمواجهة هذه المشكلة، يجب أولًا الاعتراف بها وفهم العوامل التي تغذيها، مثل ثقافة العبادة للمشاهير وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي. كما ينبغي العمل على إنشاء مساحات بديلة تعزز النقاشات الهادفة والقيم العميقة.


في النهاية، إن وجود أفراد يتصرفون كقرود بينما يبدون كبشر هو انعكاس لأزمة قيم أعمق. للتغلب على هذه الأزمة، يجب أن نعيد تقييم أولوياتنا، ونعيد الاعتبار للحكمة والتعاطف والفضول الفكري كقيم عليا في مجتمعنا.


أحدث أقدم