مساحة بواسطة: محمد عبدالفتاح
    

بداخلي خوف


داخل أعماق نفسي، يسكن خوف عميق، شعور يختبئ وراء ابتسامات عابرة وضحكات لا تكتمل. يراودني هذا الخوف في لحظات السكون، حيث يتحول الصمت إلى صوت ينادي، ويسيطر الهمس على الأفكار، فتخرج بأسماء تتردد في ذهني، كالأشباح التي تملأ غرفة مظلمة بلا مخرج. هو خوف لا يُبصر، لكنه بلا شك موجود، يلوح كعتمة دائمة. 

كلما حاولت الاندماج في الحياة، تصعد إلى السطح أمواج الخوف. أخاف من الفشل، من الشعور بالوحدة، ومن فقدان الأحباء. عواطف تتفاعل في ثنايا القلب، كأنها عواصف تهدد سلام الروح. ماذا لو فقدت الطريق الذي يُوصلني إلى أحلامي؟ ماذا لو أسقطني الخوف في دوامةٍ لا نهاية لها من الندم؟ هذه الأسئلة تنسج شباكًا حولي، تحاصرني بين جدران من الشكوك والقلق.

في هذه اللحظات، تختنق العواطف الأخرى؛ الأمل، الشغف، والحب، فيبدأ شعور العجز يتسلل إلى الروح. ظهور الخوف يصبح كالمطر الذي يبلل الأرض، لكنه لا يُذبل سوى الأزهار الجميلة، يتسلل إلى كل جانب من جوانب حياتي. فما جدوى الأحلام إذا كانت تُخنق في جنينها بسبب خوف مستبد؟

ومع ذلك، أحيانًا أجد نفسي محاصرًا بأفكاري، أتسائل: لم لا يمكنني الخروج من هذا الفخ؟ لماذا أترك لدائي مجالًا للنمو؟ قد يكون السؤال الحقيقي هو: ماذا يعني أن أعيش بوعي بووجود هذا الخوف؟ مفهوم مواجهة الخوف نفسه يعكس تجرؤًا يفوز به البعض، وتمضي الأجواء نحو الإبداع والانفتاح على تجارب جديدة. فربما الخوف هو مجرد خطوة في طريق النجاح، عتبة على عتبة الحياة.

وأيضًا، يخبرني العقل بأن الخوف ليس عدوًا دائمًا. قد يكون شعورًا طبيعيًا يُعينني على معرفة ما يهمني حقًا. عندما أستمع لصوت الخوف، أدرك أن هناك شيئًا قيمًا أريد حمايته، أن هناك شيئًا يربطني بالآخرين، برغباتي وأحلامي.

فهل يمكن أن نعتبر هذا الخوف ثروة بدلاً من أن يكون عبئًا؟ هل يُمكنني أن أمسك به، أن أحدثه، أن أسأله: ماذا تريد مني؟ وفي تلك اللحظات من الشجاعة، عندما أقبل الخوف كجزء من تجربتي، يُمكن أن أخرج منه بلادة ممزوجة بالأمل. يمكن أن يحدث ذلك عندما أكون واعيًا لما يدور حولي، حين أستطيع أن ألتقط الأنفاس العميقة وأتقدم خطوة رغم كل المخاطر.

لا تزال معركتي مع الخوف مستمرة. سأبقى أقاتل من أجل نفسي، من أجل أحلامي، لأنني أريد أن أعيش حياة مليئة بالشغف والشجاعة. ربما سأتعثر، وربما سأسقط، لكنني سأتذكر أن كل تجربة، مهما كانت مؤلمة، هي فرصة للنمو. الخوف في داخلي قد يكون وكيلاً للإبداع، فربما يبدو الخوف كحاجز، لكنه يمكن أن يكون أيضًا بهاءً مفقودًا يُنتظر استكشافه.

إن بداخلي خوف، لكنه ليس كل ما يعرُش داخلي. هناك أيضًا شجاعة وصمود، وهناك حب وأمل. وبالتفاعل بين هذه العواطف، يمكن أن أواصل الطريق إلى الأفق الرحب. ولذا، أستمر في الانخراط في الحياة، أحتضن ما يُخيفني، وأطلق العنان للحرية في التفكير، لأنني أدرك الآن أن الحياة ليست مجرد غياب الخوف، بل هي القدرة على مواجهته، والاستمرار رغم وجوده، في خوض رحلة إنسانية غنية مليئة بالعواطف والتحديات.

أحدث أقدم