مساحة بواسطة: محمد عبدالفتاح
    

هل نحن صناع خداعنا الخاص؟

نسيج الواقع


تعتمد التجربة الإنسانية بشكل أساسي على الثقة الفطرية بحواسنا. ندرك العالم من حولنا - البصر والسمع والشم - وننسج هذه الأحاسيس في نسيج نسميه الواقع. ولكن ماذا لو كان هذا النسيج مجرد وهم معقد نسجه عقلنا نفسه؟ يحتمل أن تكون حياتنا ليست كما تبدو، مجرد اختلاق من صنع الدماغ، وهو ما يؤرق الفلاسفة والمفكرين منذ قرون.

يقدم لنا الأدب أرضية خصبة لاستكشاف هذا الشك الذي يثير القلق. في رواية "مكتبة بابل" لجورجي لويس بورخيس، يصور الكون على أنه مكتبة لا نهائية تحتوي على كل كتاب يمكن تصوره. يثير هذا البناء متاهة الشك حول مفهوم النص الأصلي نفسه، مما يوحي بأن واقعنا المدرك قد يكون مجرد تكرار واحد من بين احتمالات لا حصر لها. وبالمثل، في رواية "التحول" لكافكا، يستيقظ غريغور سامسا ليجد نفسه قد تحول إلى حشرة بشعة. يثير سخافة وضعه الشك حول استقرار هويته الخاصة، وبالتالي حول العالم من حوله.

كما تصارع الفلاسفة أيضًا مع هذه المفارقة المزعجة. اشتهر رينيه ديكارت، أبو الفلسفة الحديثة، بقوله "أنا أفكر، إذاً أنا موجود". يقر هذا البيان بالحقيقة الأساسية للذات المفكرة، حتى لو كان العالم الخارجي محاطًا بالشك. من ناحية أخرى، أكد جون لوك على دور التجربة الحسية في تشكيل فهمنا. ومع ذلك، فقد اعترف باحتمال وجود صفات مستقلة عن إدراكنا، تظل بعيدة عن متناولنا المباشر.

يعقد العلم، بينما يقدم تفسيرات للعالم المادي، الصورة أكثر. تقوم أدمغتنا باستمرار بتصفية المعلومات الواردة وتفسيرها، وبناء تجربة ذاتية للواقع. توضح التجارب التي أجريت مع الحرمان الحسي السرعة التي يمكن بها لأدمغتنا أن تخلق هلوسات لملء فراغ المحفزات الخارجية. يكشف الهيكل نفسه للعين، على سبيل المثال، بنقطته العمياء، أن إدراكنا ليس تسجيلاً لا تشوبه شائبة، بل بالأحرى نسخة معدلة يصنعها الدماغ.

العيش مع هذا الشك ليس دعوة للانفصال عن الواقع. احتمال أن يكون واقعنا بناءً عقليًا لا يجب أن يجعل تجاربنا بلا معنى. بعد كل شيء، يظل التأثير العاطفي للحب والفقد والفرح والحزن قويًا بغض النظر عن أصلهما الميتافيزيقي.
ومع ذلك، فإن الاعتراف بإمكانية الخداع يمكن أن يكون قوة محررة. يحثنا على التساؤل، والسعي وراء أدلة تتجاوز إدراكنا الخاص، والاعتراف بقيود حواسنا. ربما الأهم من ذلك، أنه يعزز التعاطف، ويذكرنا بأن واقع الآخرين قد يختلف اختلافًا كبيرًا عن واقعنا.

بينما قد لا نتمكن أبدًا من معرفة طبيعة الواقع بشكل قاطع، فإن مجرد فعل التساؤل هو شهادة على توق الروح البشرية للحقيقة. في النهاية، سواء كان عالمنا وهمًا دقيق الصنع أو حقيقة يمكن التحقق منها، فإن خلق الحياة والحب والتجربة هو أمر أصيل في الإنسان. يصبح الشك نفسه جزءًا من النسيج، ويضيف طبقة من التشويق والإعجاب إلى السرد العظيم لوجودنا.
أحدث أقدم