إن مفهوم الهوية هو جانب أساسي من الوجود الإنساني. نحن نؤمن بأن لدينا إحساسًا بالذات، وهوية أساسية تحدد هويتنا وما نقدره. ومع ذلك، فإن هذا الإيمان بالذات الثابتة والأساسية هو، في رأيي، مفارقة. إن إحساسنا بالهوية يتغير باستمرار، ومجزأ، ومتناقض، ومع ذلك فإننا نتمسك بفكرة الذات الموحدة والمتماسكة.
أحد الأسباب الرئيسية التي تجعلنا نؤمن بالذات الثابتة هو تجربتنا في الاستمرارية. نشعر كما لو أننا نفس الشخص من لحظة إلى أخرى، وأن أفكارنا ومشاعرنا وتجاربنا مرتبطة بخيط الهوية. ومع ذلك، فإن تجربة الاستمرارية هذه هي بالضبط تلك التجربة. إنه نتاج قدرة أدمغتنا على خلق قصة لحياتنا، وفهم تجاربنا وتوفير إحساس بالتماسك.
لكن هذه الرواية ليست بالضرورة انعكاساً دقيقاً للواقع. إن إحساسنا بالذات يتغير باستمرار، ويتحول استجابة للتجارب والعلاقات والبيئات الجديدة. نحن مثل الأنهار، تتدفق وتتغير من لحظة إلى أخرى، ومع ذلك فإننا نتمسك بفكرة الذات الثابتة والأساسية.
علاوة على ذلك، فإن إحساسنا بهويتنا مجزأ ومتناقض. نحن نتكون من ذوات متعددة، لكل منها رغباتها وقيمها ومعتقداتها. نحن عقلانيون وغير عقلانيين، منطقيين وعاطفيين، وهذه الذوات المختلفة غالبًا ما تتعارض مع بعضها البعض. نحن مثل شخصيات متعددة، كل منها يتنافس على السيطرة والهيمنة.
ولكن حتى لو قبلنا أن إحساسنا بالهوية مجزأ ومتناقض، فقد نظل نجادل بأن هناك ذاتًا أساسية تكمن وراء هذه الشخصيات المختلفة. ومع ذلك، فإن هذه الذات الأساسية هي في النهاية وهم. إن إحساسنا بالذات هو بناء اجتماعي، ينشأ من خلال تفاعلاتنا مع الآخرين ومكانتنا في العالم. نحن مثل المرايا، نعكس صور وتوقعات من حولنا.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن إحساسنا بهويتنا يتشكل من خلال اللغة والثقافة، وهما في حد ذاتهما مجزأتان ومتناقضتان. نحن مثل البنيات اللغوية والثقافية، التي تم إنشاؤها من خلال الكلمات والرموز التي نستخدمها للتواصل وفهم العالم. إن إحساسنا بالذات هو نتاج هذه البنيات، وبالتالي فهو يخضع لنفس القيود والتناقضات.
فماذا يعني هذا بالنسبة لفهمنا للهوية؟ وهذا يعني أن إيماننا بذات ثابتة وجوهرية هو أمر متناقض. إن إحساسنا بالهوية يتغير باستمرار، ومجزأ، ومتناقض، ومع ذلك فإننا نتمسك بفكرة الذات الموحدة والمتماسكة. وهذا يعني أن إحساسنا بالذات هو بناء اجتماعي، تم إنشاؤه من خلال تفاعلاتنا مع الآخرين ومكانتنا في العالم. وهذا يعني أن هويتنا هي في نهاية المطاف وهم، نتاج اللغة والثقافة.
لكن هذه ليست نتيجة متشائمة. بل هو تحرير. إذا أدركنا أن إحساسنا بالهوية هو مفارقة، فيمكننا أن نبدأ في التخلي عن ارتباطنا بالذات الثابتة والأساسية. يمكننا أن نبدأ في رؤية أن هويتنا تتحول وتتغير باستمرار، وأن هذا التغيير جزء طبيعي وضروري من الحياة. يمكننا أن نبدأ في تقدير مدى تعقيد وتنوع التجربة الإنسانية، وإيجاد المعنى في اللحظة الحالية، وليس في الذات الثابتة والأساسية.
في الختام، فإن مفارقة الهوية هي جانب أساسي من الحالة الإنسانية. نحن نؤمن بأن لدينا ذاتًا ثابتة وجوهرية، لكن هذا الاعتقاد هو في النهاية أسطورة. إن إحساسنا بالهوية يتغير باستمرار، ومجزأ، ومتناقض، ويتشكل من خلال اللغة والثقافة. لكن هذا الاعتراف يمكن أن يحررنا، ويسمح لنا بالتخلي عن ارتباطنا بالذات الثابتة وإيجاد المعنى في اللحظة الحالية.
