مساحة بواسطة: محمد عبدالفتاح
    

وهم السيطرة




إن مفهوم الفاعلية البشرية هو جانب أساسي من فهمنا لأنفسنا ومكانتنا في العالم. نحن نؤمن بأن لدينا القدرة على اتخاذ الخيارات، والتصرف بناءً على رغباتنا، وتشكيل مصائرنا. ومع ذلك، فإن هذا الاعتقاد في قوتنا هو، في رأيي، وهم. تتشكل حياتنا بقوى خارجة عن سيطرتنا، واختياراتنا تتحدد في النهاية بعوامل خارجة عن وعينا.

أحد الأسباب الرئيسية وراء إيماننا بقوتنا هو تجربتنا الذاتية في اتخاذ القرارات. نشعر كما لو أننا نتحكم في أفعالنا، وأننا نحن من نتخذ الخيارات التي تشكل حياتنا. ومع ذلك، فإن هذا الشعور بالسيطرة هو بالضبط ذلك الشعور. إنه نتاج قدرة أدمغتنا على خلق سرد لتجاربنا، وفهم العالم من حولنا. لكن هذه الرواية ليست بالضرورة انعكاساً دقيقاً للواقع.

النظر في مفهوم الإرادة الحرة. هل لدينا حقًا القدرة على اتخاذ خيارات لا تحددها أسباب مسبقة؟ أم أن اختياراتنا هي ببساطة نتيجة لسلسلة طويلة من الأحداث التي تعود إلى بداية الزمن؟ الجواب، كما أعتقد، هو الأخير. إن اختياراتنا هي نتيجة لتفاعل معقد بين العوامل الوراثية والبيئية، وهي عوامل خارجة عن سيطرتنا. قد نشعر كما لو أننا نقوم باختيارات، ولكن في الواقع، يتم اتخاذ هذه الاختيارات لنا بواسطة قوى تتجاوز فهمنا.

علاوة على ذلك، فإن إدراكنا للعالم من حولنا يتم تصفيته من خلال حواسنا وأدمغتنا، وهي غير كاملة وعرضة للخطأ. لا يمكننا أبدًا أن نعرف العالم كما هو حقًا، بل فقط كما يبدو لنا. وهذا يعني أن فهمنا لأنفسنا ومكانتنا في العالم دائمًا ما يكون غير مكتمل وغير دقيق. نحن مثل السجناء في كهف، لا نرى سوى ظلال الواقع ونظن أنها الحقيقة.

ولكن حتى لو قبلنا أن خياراتنا تحددها أسباب مسبقة، وأن تصورنا للعالم غير كامل، فقد نظل نزعم أننا نملك درجة ما من السيطرة على حياتنا. ففي نهاية المطاف، يمكننا اتخاذ قرارات، ويمكن أن يكون لتلك القرارات تأثير على العالم من حولنا. ومع ذلك، فإن هذا التأثير محدود في نهاية المطاف. أفعالنا تشبه التموجات في البركة، مما يسبب اضطرابات صغيرة تتبدد وتختفي في النهاية.

في المخطط الكبير للأشياء، أفعالنا الفردية غير ذات أهمية. إن مسار التاريخ البشري يتشكل من خلال قوى هائلة وغير شخصية، قوى خارجة عن سيطرتنا. نحن مثل أوراق الشجر في النهر، يحملها تيار الأحداث. قد نعتقد أننا نقود القارب، ولكن في الواقع، نحن فقط نسير في الرحلة.

إذًا ماذا يعني هذا بالنسبة لفهمنا للفاعلية البشرية؟ وهذا يعني أن اعتقادنا بقدرتنا على التحكم في أنفسنا هو وهم، وأسطورة مريحة نقول لأنفسنا أن نفهم العالم من حولنا. ويعني أن اختياراتنا ليست في الواقع اختيارات على الإطلاق، بل هي نتيجة حتمية لأسباب سابقة. وهذا يعني أن أفعالنا الفردية لا أهمية لها في نهاية المطاف في المخطط الكبير للأشياء.

لكن هذه ليست نتيجة متشائمة. بل هو تحرير. إذا أدركنا أن سيطرتنا مجرد وهم، فيمكننا أن نبدأ في التخلي عن ارتباطنا بالنتائج. يمكننا أن نبدأ في رؤية أن أفعالنا ليست العامل الحاسم الوحيد في حياتنا، وأن العالم عبارة عن شبكة معقدة ومترابطة من الأسباب والنتائج. يمكننا أن نبدأ في تقدير جمال الكون وغموضه، وإيجاد المعنى في اللحظة الحالية، وليس في هدف أو نتيجة بعيدة.

في الختام، فإن وهم السيطرة هو جانب أساسي من الحالة الإنسانية. نحن نعتقد أن لدينا القدرة على تشكيل مصائرنا بأنفسنا، ولكن هذا الاعتقاد هو في نهاية المطاف أسطورة. يتم تحديد خياراتنا لأسباب مسبقة، وإدراكنا للعالم غير كامل، وأفعالنا الفردية غير ذات أهمية في المخطط الكبير للأشياء. لكن هذا الاعتراف يمكن أن يحررنا، ويسمح لنا بالتخلي عن ارتباطنا بالنتائج وإيجاد المعنى في اللحظة الحالية.
أحدث أقدم